الخميس, 28 آذار/مارس 2024
Blue Red Green

  • أخبار سريعة
أخبار قانونية: وفاة رئيس القضاء السوداني مولانا حيدر احمد دفع الله - السبت, 24 تشرين2/نوفمبر 2018 18:45

كتاب الهبة ـ من كتاب المبسوط للسرخسي

كتاب الهبة

   قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي ـ رحمه الله تعالى ـ إملاءً: اعلم بأن الهبة عقد الهبة عقد جائز ثبت جوازه بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} (النساء: 86) والمراد بالتحية العطية وقيل المراد بالتحية السلام والأول أظهر فإن قوله أو ردوها يتناول ردها بعينها وإنما يتحقق ذلك في العطية وقال الله تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} (النساء: 28) وإباحة الأكل بطريق الهبة دليل جواز الهبة. والسنة حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «الواهب أحق بهبته ما لم يثبت منها» ولأنه من باب الإحسان واكتساب سبب التودد بين الإخوان وكل ذلك مندوب إليه بعد الإيمان وإليه أشار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: «تهادوا تحابوا».

 

 ثم الملك لا يثبت في الهبة قبل القبض عندنا.

  وقال مالك ـ رحمه الله تعالى ـ يثبت؛ لأنه عقد تمليك فلا يتوقف ثبوت الملك به على القبض كعقد البيع بل أولى؛ لأن هناك الحاجة إلى إثبات الملك من الجانبين وهنا من جانب واحد فإذا كان مجرد القول يوجب الملك من الجانبين فمن جانب واحد أولى.

  وحجتنا في ذلك ما روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ «لا تجوز الهبة إلا مقبوضة» معناه لا يثبت الحكم وهو الملك إذ الجوازُ ثابتٌ قبلَ القبض بالاتفاق والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ اتفقوا على هذا فقد ذكر أقاويلهم في الكتاب، ولأن هذا عقد تبرع فلا يثبت الملك فيه بمجرد القبول كالوصية وتأثيره أن عقد التبرع ضعيف في نفسه ولهذا لا يتعلق به صفة اللزوم والملك الثابت للواهب كان قوياً فلا يزول بالسبب الضعيف حتى ينضم إليه ما يتأيد به وهو موته في الوصية لكون الموت منافياً لملكه وتسليمه في الهبة لإزالة يده عنه بعد إيجاب عقد التمليك لغيره. يوضحه أن له في ماله ملك العين وملك اليد فتبرعه بإزالة ملك العين بالهبة لا يوجب استحقاق ما لم يتبرع به عليه هو اليد ولو أثبتنا الملك للموهوب له قبل التسليم وجب على الواهب تسليمه إليه وذلك يخالف موضوع التبرع بخلاف المعاوضات.

  والصدقة كالهبة عندنا في أنه لا يوجب الملك للمتصدق عليه إلا بالقبض خلافاً لمالك ـ رحمه الله تعالى.

  وفي الصدقة خلاف بين الصحابة ومن بعدهم ـ رضي الله تعالى عنهم ـ وكان عليّ وابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ يقولان: إذا أعلمت الصدقة جازت. وكان ابن عباس ومعاذ ـ رضي الله عنهم ـ يقولان: لا تجوز الصدقة إلاّ مقبوضة وعن شريح وإبراهيم النخعي ـ رحمهما الله تعالى ـ فيه روايتان ذكرهما في الكتاب فأخذنا بحديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وحملنا قول علي وعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ على صدقة الرجل على ولده الصغير وذلك بالإعلام يتم؛ لأنه يصير قابضاً له. والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام يقول «ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فهو مال الوارث». فقد شرط النبي عليه الصلاة السلام الإمضاء في الصدقة وذلك بالقبض يكون وقد بينا هذا في كتاب الوقف.

  ثم الهبة والصدقة قد تكون من الأجانب وقد تكون من القرابات وذلك أفضل لما فيه من صلة الرحم إليه أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» ولهذا بدأ الكتاب بحديث رواه عن إبراهيم عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: من وهب لذي رحم محرم هبة فقبضها فليس له أن يرجع فيها. وذكر بعد هذا عن عطاء ومجاهد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: «من وهب هبة لذي رحم محرم فقبضها فليس له أن يرجع فيها، ومن وهب هبة لغير ذي رحم فله أن يرجع فيها ما لم يثب منها».

والمراد بقوله ذي رحم محرم قد ذكر ذلك في بعض الروايات وهذا لأنه يفترض صلة القرابة المتأبدة بالمحرمية دون القرابة المتحرزة عن المحرمية وهو كما يتلى في القرآن في قوله سبحانه وتعالى:

{واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} (النساء: 1) أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها وقال الله تعالى:

{وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} (محمد: 22، 23) والمراد الرحم المتأبد بالمحرمية.

  ثم إن الحديث دليل أن الهبة لا تتم إلاّ بالقبض؛ لأنه اعتبر القبض للمنع عن الرجوع وهو دليل لنا أن الوالد إذا وهب لولده هبة ليس له أن يرجع فيها كالولد إذا وهب لوالده وهذا لأن المنع من الرجوع لحصول المقصود وهو صلة الرحم أو لما في الرجوع والخصومة فيه من قطيعة الرحم والولادة في ذلك أقوى من القرابة المتأبدة بالمحرمية. وفيه دليل على أن من وهب لأجنبي هبة فله أن يرجع فيها ما لم يعوض منها لقوله عليه الصلاة والسلام «ما لم يثب» والمراد بالثواب العوض فعمر ـ رضي الله عنه ـ إمامنا في المسألتين يحتج بقوله ـ رضي الله عنه ـ على الخصم وقد قال عليه الصلاة والسلام «أينما دار الحق فعمر معه وان ملكاً ينطق على لسان عمر».

(وعن) عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: نحلني أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالعالية فلما حضره الموت حمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: يا بنية إن أحب الناس إلى غني أنت وأعزهم عليّ فقراً أنت وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً من مالي بالعالية وإنك لم تكوني قبضتيه ولا حزتيه وإنما هو مال الورثة وإنما هما أخواك وأختاك قالت فقلت فإنما هي أم عبد الله يعني أسماء قال إنه ألقى في نفسي أن في بطن بنت خارجة جارية. ثم ذكر عن الشعبي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ نحلها أرضاً له. وفي هذا دليل أن الهبة لا تتم إلاّ بالقبض وأنه يستوي في ذلك الأجنبي والولد إذا كانا بالغين.

  وفي هذا دليل على أن الهبة لا تتم إلا بالقسمة فيما يحتمل القسمة؛ لأن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ أبطل لعدم القبض والحيازة جميعاً بقوله وإنك لم تكوني قبضتيه ولا حزتيه والمراد بالحيازة القسمة؛ لأنه يقال حاز كذا أي جعله في حيزه بقبضه وحاز كذا أي جعله في حيزه بالقسمة ولو حملناه على القبض هنا كان تكراراً وحمل اللفظ على ما يستفاد به فائدة جديدة أولى من حمله على التكرار وفيه دليل أن هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تكون باطلة؛ لأن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ باشرها ولكن لا يحصل الملك إلاّ بعد القسمة كما لا يحصل الملك إلاّ بعد القبض ولا نقول الهبة قبل القبض باطلة. وفيه دليل أن التسليم كالتمليك المبتدأ؛ لأن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ امتنع من ذلك لمرضه فإن المريض ممنوع من إيثار ورثته بشيء من ماله بطريق التبرع ولكن طيب قلبها بما قال انتدابا إلى ما ندب إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله رحم الله امرأ أعان ولده على بره بدأ كلامه بالحمد والثناء على الله تعالى وكل مسلم مندوب إلى ذلك خصوصاً في وصيته. ثم يستدل بقوله أن أحب الناس إليّ غني أنت وأعزهم عليّ فقراً أنت أي أشدهم من تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر ولا شك أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ كان يحب لها أعلى الدرجات ولكن المذهب عندنا أن الأفضل ما اختاره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد قال عليه الصلاة والسلام «اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين» وقال صلوات الله وسلامه عليه «الفقر أزين بالمؤمن من العذار الجيد على خد الفرس».
  وكذلك أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ اختار الفقر لنفسه حين أنفق جميع ماله على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعرفنا أنه قال ذلك تطييباً لقلبها أو أحب الغنى لها لعجزها عن الكسب أو ظن أنه يشق عليها الصبر على الفقر فلهذا قال أحب الناس إليّ غني أنت وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً من مالي بالعالية وذلك اسم موضع وقد كان وهب لها قدر عشرين وسقاً من ماله في ذلك الموضع قال وإنما هو مال الورثة.

  وفيه دليل على أن حق الوارث يتعلق بمال المريض مرض الموت وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام «وما سوى ذلك فهو مال الوارث» أو قال ذلك باعتبار أن مآله إلى ذلك كقوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} (الزمر: 30). وإنما هما أخواك وأختاك وإنما ذكر ذلك لتطييب قلبها أنه كان لا يسلم لك فلا يبعد عنك فأشكل على عائشة ـ رضي الله عنها ـ قوله وأختاك؛ لأنها ما عرفت لها إلا أختاً واحدة وهي أم عبد الله فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ أنه ألقى في نفسي أن في بطن بنت خارجة جارية يعني أم حبيب امرأته وكانت حاملاً.

  وفيه دليل أن الحمل من جملة الورثة وأنه لا بأس للإنسان أن يتكلم بمثل هذا بطريق الفراسة فإن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ قال ذلك بفراسته ولم يكن ذلك منه رجماً بالغيب فإن ما في الرحم لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى كما قال الله تعالى: {ويعلم ما في الأرحام} (لقمان: 34).

  ولهذا قيل أفرس الناس أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ حيث تفرس في حبل امرته أنها جارية فكان كما تفرس وتفرس في عمر ـ رضي الله عنه ـ حين استخلفه بعده.

(وعن) عمر وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ قالا إذا وهب الرجل لابنه الصغير هبة فأعلمها فهو جائز وبه نأخذ فإن حق القبض فيما يوهب لهذا الصغير إلى الأب لو كان الواهب أجنبياً فكذلك إذا كان الواهب يصير قابضاً له من نفسه فتتم الهبة بالقبض ولا بد من الإعلام ليحصل المقصود به فالولد لا يتمكن من المطالبة به ما لم يكن معلوماً له وهو معنى ما روى شريح أنه سُئل ما يجوز للصبي من نحل أبيه قال المشهود عليه والمراد الإعلام، فالإشهاد في الهبة ليس بشرط للإتمام وإنما ذكر ذلك للتوثق حتى يتمكن الولد من إثبات ملكه بالحجة بعد موته على سائر الورثة.

(وعن) إبراهيم قال الرجل والمرأة بمنزلة ذي الرحم المحرم إذا وهب أحدهما لصاحبه هبة لم يكن له أن يرجع فيها وبه نأخذ فإن ما بينهما من الزوجية نظير القرابة القريبة ولهذا يتعلق بها التوارث من الجانبين بغير حجب ويمتنع قبول شهادة كل واحد منهما لصاحبه وهذا لأن المقصود حصل بالهبة وهو تحقيق ما بينهما من معنى السكن والازدواج وفي الرجوع إيقاع العداوة فيما بينهما والنفرة. والزوجية بمعنى الألفة والمودة فلا يجوز لأحدهما الإقدام على ما يضاده وهذا كان مانعاً من الرجوع فيما بين القرابات.

(وقال) في الرجل يهب لامرأته أو لبعض ولده وقد أدرك وهو في عياله أن ذلك جائز إذا أعلمه وإن لم يقبض ذلك الموهوب له. وبه يأخذ ابن أبي ليلى فيقول: إذا كان الموهوب له في عياله فيده في قبض الهبة كيده كما في الصغار. ولسنا نأخذ بذلك لأنه لا بد من نوع ولاية له ليجعل قبضه بذلك كقبض الموهوب له ولا ولاية له عليهم بعد البلوغ وإن كان يعولهم. ألا ترى أن الغنيّ يعول بعض المساكين فينفق عليهم ثم لو تصدق عليهم لا يتم ذلك إلا بالإعلام ما لم يسلمه إليه.

(وعن) عطاء بن السائب عن شريح ـ رحمهما الله تعالى ـ أنه سأله عن الحبيس فقال إنما أقضي ولست أفتي فأعدت عليه المسئلة فقال لا حبيس عن فرائض الله تعالى.

  وبه يأخذ من يقول لا ينبغي للقاضي أن يفتي وهذا فصل تكلم فيه العلماء ـ رحمه الله تعالى ـ:

  فمنهم من يقول في العبادات لا بأس بأن يفتي وفي المعاملات لا يفتي لكيلا يقف الخصم على مذهب فيشتغلوا بالحيل على مذهبه.

  ومنهم من يقول لا يفتي في مجلس القضاء وله أن يفتي في غير مجلس القضاء؛ لأنه لو اشتغل بها في مجلس القضاء وكل واحد منهما أمر عظيم فربما يتمكن الخلل في أحدهما وهو متعين للقضاء فيشتغل بما تعين له ويدع الفتوى لغيره.

  والأصح عندنا أنه لا بأس له أن يفتي إذا كان أهلاً لذلك وقد كان الخلفاء الراشدون ـ رضي الله عنهم ـ يقضون بين الناس ويفتون. والقضاء في الحقيقة فتوى إلا أنه فتوى فيه إلزام ولهذا كان القاضي في الصدر الأول يسمى مفتياً.

  ألا ترى أن شريحاً أفتى لما أعاد السؤال بقوله لا حبيس عن فرائض الله تعالى فهو دليل أبي حنيفة ـ رضي الله تعالى عنه ـ في أن الوقف لا يتعلق به اللزوم وقد روى هذا عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ بيناه في الوقف.

(وعن) ابن عباس وشريح ـ رضي الله عنهما ـ قالا: جاء محمد عليه الصلاة والسلام ببيع الحبيس وهكذا عن الشعبي. وفيه بيان أنه كان معروفاً فيما بينهم أن الوقف لا يتعلق به اللزوم.

(وعن) عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: ما بال أحدكم يتصدق على ولده يصدقه لا يحوزها ولا يقسمها يقول:

إن أنا مت كانت له، وإن مات هو رجعت إليّ وأيم الله لا يتصدق منكم رجل على ولده بصدقة لم يحزها ولم يقسمها ثم مات إلا صارت ميراثاً لورثته وهكذا نقل عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ.

  وفيه دليل أن الصدقة لا تتم إلا بالقبض والقسمة؛ لأن المراد بالحيازة المذكورة في هذا الحديث القبض فإنها قرنت بالقسمة فلو حملنا الحيازة على القسمة كانت تكراراً ولو حملناها على القبض كنا قد استفدنا بكل لفظ فائدة جديدة. وفيه دليل أنه إذا مات بعدما تصدق على ولده قبل أن يسلمها إليه فهو ميراث للورثة وتأويله إذا كان الولد بالغاً فهو حجة على ابن أبي ليلى لأنه لم يفصل بين أن يكون في عيال الأب أولاً يكون ولو كان المراد الولد الصغير فإذا لم يقسمها لم يثبت الملك للولد فكان ميراثاً عن الأب بعد موته.

(وعن) علي ـ رضي الله عنه ـ قال: إذا وهبت المرأة لزوجها هبة فإن شاءت رجعت فيها إذا هي ادعت أنه استكرهها، وإن وهب هو لها شيئاً فليس له أن يرجع في الهبة.

  وليس مراده الفرق بينهما في الرجوع بحكم الزوجية وإنما مراده أن الدعوى من المرأة أنها كانت مكرهة مسموع ومن الزوج لا لاعتبار الظاهر، فالظاهر أنّ الزوج يتمكن من إكراه زوجته والمرأة لا تتمكن من إكراه زوجها، والظاهر أن المرأة تخاف على نفسها من جهة الزوج بما يثبت به الإكراه من الضرب والحبس والزوج لا يخاف ذلك من جهة امرأته.

  وفيه دليل أن الهبة من المكره لا تصح؛ لأن شرط صحة الهبة تمام الرضا والإكراه بعدم الرضا.

(قال) (ومن وهب هبة مقسومة لذي رحم محرم وسلمها إليه فليس له أن يرجع فيها وإن وهبها لأجنبي أو لذي رحم ليس بمحرم فله أن يرجع فيها) وهما فصلان:

(أحدهما) إذا وهب لأجنبي شيئاً فله أن يرجع في الهبة عندنا ما لم يعوض منها في الحكم وإن كان لا يستحب له ذلك بطريق الديانة.

  وعند الشافعي ليس له أن يرجع فيها لقوله عليه الصلاة والسلام «لا يرجع الواهب في هبته إلا الوالد فيما يهب لولده» وفي رواية قال «لا يحل». فقد نفى الرجوع أو حرم ولا يجوز الإقدام على ارتكاب الحرام شرعاً وقال عليه الصلاة والسلام «العائد في هبته كالعائد في قيئه» وفي رواية «كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه» والعود في القيء حرام فكذلك الرجوع في الهبة.

  والمعنى فيه أنه الهبة عقد تمليك فمطلقه لا يقتضي الرجوع فيه كالبيع، وهذا لأن الرجوع يضاد المقصود بالتمليك والعقد لا ينعقد موجباً ما يضاد المقصود به وإنما يثبت حق الرجوع قبل تمامه كما فيما بين الوالد والولد باعتبار أن الولد كسبه على ما نبينه أو أنه بعضه فلا يتم إخراجه عن ملكه لما جعلها محرزة وهذا لا يوجد فيما بين الأجانب وهو معنى قولهم ليس بين الواهب والموهوب له حزونة فلا يرجع أحدهما فيما يهب لصاحبه كالأخوين.

  وحجتنا في ذلك حديث علي ـ رضي الله عنه ـ موقوفاً عليه ومرفوعاً إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها» والمراد حق الرجوع بعد التسليم لأنها لا تكون هبة حقيقة قبل التسليم، وإضافتها إلى الواهب على معنى أنها كانت له كالرجل يقول أكلنا خبز فلان الخباز وإن كان قد اشتراه منه ولأنه مد هذا الحق إلى وصول العوض إليه وذلك في حق الرجوع بعد التسليم وفي قوله تعالى: {فحيوا بأحسن منها أوردوها} (النساء: 86) ما يدل على ذلك وقد بينا أن المراد بالتحية العطية قال القائل تحيتهم بيض الولائد بينهم.

  يريد عطاياهم وفي حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ «من وهب هبة ثم أراد أن يرجع فيها فليوقف وليعرف قبح فعله».

  وفي رواية «حسن فعله فإن أبى يرد عليه».

  والمراد حسن فعله في الهبة وقبح فعله في الرجوع.

(وعن) فضالة بن عبيد أن رجلين اختصما إليه فقال أحدهما أني وهبت لهذا بازياً ليثيبني ولم يثبني فأنا أرجع فيه فقال فضالة لا يرجع في الهبة إلاّ النساء والشرار من الناس اردد.

(وعن) أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: الواهبون ثلاثة رجل وهب على وجه الصدقة فليس له أن يرجع فيها ورجل استوهب فوهب فله أن يرجع فيها ما لم يعوض، ورجل وهب بشرط العوض فهي دين له في حياته وبعد موته.

  والمعنى فيه أنه يمكن الخلل في المقصود بالعقد فيتمكن العاقد من الفسخ كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيباً.

  وبيان ذلك أن المقصود من الهبة للأجانب العوض والمكافأة والمرجع في ذلك إلى العرف والعادة الظاهرة أن الإنسان يهدي إلى من فوقه ليصونه بجاهه وإلى من دونه ليخدمه وإلى من يساويه ليعوضه وإليه أشار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله لوفد ثقيف لما أتوه بشيء أصدقة أم هبة فالصدقة يبتغي بها وجه الله تعالى والهبة يبتغي فيها وجه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقضاء الحاجة ومنه يقال للأيادي قروض وقال القائل:

  وإذا جوزيت قرضاً فأجزه

إنما يجزى الفتى ليس الحمل

  وبهذا يتبين أن حق الرجوع ليس بمقتضى العقد عندنا بل لتمكن الخلل في المقصود بالعقد على معنى أن المعروف كالمشروط ولا يقال إنما يقصد العوض بالتجارات، فأما المقصود بالهبة إظهار الجود والسخاء والتودد والتحبب وقد حصل ذلك وهذا لأن العوض في التجارات مشروط وفي التبرعات مقصود، ومعنى إظهار الجود أيضاً مقصود فإنما يمكن الخلل في بعض المقصود وذلك يكفي للفسخ مع أن إظهار الجود مقصود كريم الخلق ولهذا يقول الراجع في الهبة لا يكون كريم الخلق فأما مقصود طيبة النفس العوض ومعنى التودد إنما يحصل بالعوض كما قال عليه الصلاة والسلام «تهادوا تحابوا» فإن التفاعل يقتضي وجود الفعل من الجانبين كالمفاعلة.

  فأما الحديث فالمراد به أن لا ينفرد بالرجوع من غير قضاء ولا رضاً إلا الوالد إذا احتاج إلى ذلك فينفرد بالأخذ لحاجته وسمى ذلك رجوعاً باعتبار الظاهر وإن لم يكن رجوعاً في الحكم كما روى أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حمل على فرس في سبيل الله ثم رأى ذلك الفرس يباع فأراد أن يشتريه فسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك فقال: «لا تعد في صدقتك» والشراء لا يكون رجوعاً في الصدقة حكماً والمراد لا يحل الرجوع بطريق الديانة والمروءة وهو كقوله عليه الصلاة والسلام «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيبت شبعان وجاره إلى جنبه طاوٍ» أي لا يليق ذلك بالديانة والمروءة وإن كان جائزاً في الحكم إذا لم يكن عليه حق واجب.

  والمراد بالحديث الآخر التنبيه في معنى الاستقباح والاستقذار. ألا ترى أنه شبه بعود الكلب في قيئه وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة وبه نقول وإنه يستقبح. وقد بينا الفرق بين هذا وبين الأخوين والزوجين لحصول ما هو المقصود هناك وتمكن الخلل فيما هو المقصود هنا ولهذا يحتاج إلى القضاء أو الرضا في الرجوع؛ لأنه بمنزلة الرد بالعيب بعد القبض من حيث أن السبب تمكن الخلل في المقصود فلا يتم إلا بقضاء أو رضا والله سبحانه وتعالى أعلم.

 (والفصل الثاني) إذا وهب الوالد لولده فليس له أن يرجع فيه عندنا.

  وقال الشافعي له ذلك لما روينا من قوله عليه الصلاة والسلام «إلا الوالد فيما يهب لولده» والاستثناء من النفي إثبات ومن التحريم إباحة.

  وفي حديث نعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال: «نحلني أبي غلاماً وأنا ابن سبع سنين فأبت أمي إلا أن يشهد على ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فحملني أبي على عاتقه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبره بذلك فقال صلوات الله وسلامه عليه ألَكَ ولد سواه فقال: نعم فقال عليه الصلاة والسلام أوكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال عليه الصلاة والسلام هذا جور وإنا لا نشهد على جور اردد» فقد أمره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرجوع فيه وأقل أحوال الأمر أن يفيد الإباحة ولأنه جاد بكسبه على كسبه فيتمكن من الرجوع فيه كما لو وهب لعبده. ومعنى هذا أن الولد كسبه. قيل في معنى قوله تعالى: {ما أغنى عنه ماله وما كسب} (المسد: 2) وما ولد وقال عليه الصلاة والسلام «وإن ولده من كسبه». وتأثيره ما بينا أنه لا يتميز عن ملكه إذا كان الموهوب له كسباً له كالموهوب به، وإذا كان الموهوب له جزأ منه فلا يشكل أنه لا يتم خروجه عن ملكه ولا يبعد أن يختص الوالد بما لا يشاركه الولد فيه كالتملك بالاستيلاد فإنه يثبت للأب في جارية ابنه ولا يثبت للابن في جارية أبيه.

  وحجتنا ما روينا من حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ فهو الإمام لنا في المسئلتين ولأن الهبة قد تمت لذي الرحم المحرم ملكاً وعقداً فلا يملك الرجوع فيه كالابن إذا وهب لأبيه أو الأخ لأخيه وهذا لأن المقصود قد حصل وهو صلة الرحم، ولأن في الرجوع معنى قطيعة الرحم وهذا موجود في حق الوالد مع ولده؛ لأنه بالرجوع يحمله على العقوق وإنما أمر الوالد أن يحمل ولده على بره.

  ولا يقال مقصود الوالد أن يخدمه الولد ولما رجع فالظاهر أنه لم ينل ذلك؛ لأن شفقة الأبوة تمنعه من الرجوع بعد حصول المقصود وهذا لأن هذا المعنى خفيّ لا ينبني الحكم عليه وهو موجود في الولد إذا وهب لوالده فالظاهر أنه قصد أن يخصه بإكرام وإنما يرجع؛ لأنه لم ينل ذلك ولا معتبر بما ذكر من الكسب فإنه لو وهب لمكاتبه أو لمعتقه لا يرجع فيه وهو كسبه أيضاً وهذا لأن الولد كسبه لا ملكه بخلاف عبده.

أما الحديث فقد قيل معنى قوله عليه الصلاة والسلام «إلا الوالد» ولا الوالد فإن كلمة إلا تذكر بمعنى ولا قال الله تعالى: {إلاّ الذين ظلموا منهم} (البقرة: 150) وقوله تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأ} (النساء: 92) أي ولا خطأ. أو المراد إلا الوالد فإنه ينفرد بأخذه عند حاجته على ما قررنا وحديث النعمان بن بشير ـ رضي الله تعالى عنه ـ قيل قوله وأنا ابن سبع سنين وقوله فحملني أبي على عاتقه لم ينقل في شيء من المشاهير فيحتمل أنه كان بالغاً ولم يسلمه إليه. وعندنا في مثله له أن يرجع ويحتمل أنه كان صغيراً ولكن كان فوض ذلك إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليهبه له إن رآه صواباً. ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام «اردد أي أمسك مالك وارجع إلى رحلك». وقيل كان هذا منه بطريق الوصية بعد موته. ألا ترى أنه اعتبر التسوية بين الأولاد وإنما تجب التسوية في الوصية بعد الموت، فأما في الهبة في الصحة فلا. ألا ترى أن أبا بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ خص عائشة بالهبة لها في صحته كما روينا والدليل عليه أن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال: فرجع أبي في وصيته.

  وفي هذا التأويل كلام فالمذهب أنه ينبغي للوالد أن يسوي بين الأولاد في العطية عند محمد ـ رحمه الله تعالى ـ على سبيل الإرث للذكر مثل الأنثيين.

  وعند أبي يوسف ـ رحمه الله تعالى ـ يسوي بين الذكور والإناث قال عليه الصلاة والسلام «ساووا بين أولادكم حتى في القتل ولو كنت مفضلاً أحداً لفضلت الإنات» والاعتماد على التأويل الأول.

  وذو الرحم الذي ليس بمحرم كالأجنبي في حق الهبة؛ لأن ما بينهما من القرابة لا يفترض وصلها ولهذا لا يتعلق بها استحقاق العتق وحرمة النكاح وكذلك المحرم الذي ليس برحم؛ لأنه لا تأثير للرضاع والمصاهرة في استحقاق الصلة فكانت الهبة بينهما المقصود العوض فإذا لم ينل كان له أن يرجع فيها إن كانت قائمة لم يزدد خيراً.

  والموانع من الرجوع في الهبة إما أخذ العوض؛ لأن المقصود به قد تم وفي قوله ما لم يثب منها دليل على أنه لا رجوع بعد نيل العوض وأن يزداد الموهوب في ندمه خيراً فإن حق الرجوع فيما تتناوله الهبة وتلك الزيادة لم تتناولها الهبة ولا يتأتى الرجوع في الأصل بدون الزيادة المتصلة وهذا بخلاف ما لو زاد في سعره؛ لأن ذلك ليس بزيادة في العين فإنه عبارة عن كثرة رغبات الناس فيه فأما العين على حاله كما كان. ومنها أن يخرج الموهوب من ملك الموهوب له؛ لأن تبدل الملك كتبدل العين، ولأن حق الرجوع في الملك المستفاد في الهبة على معنى أن بالرجوع ينتهي ذلك الملك فلا يمكن إثباته في ملك آخر. ومنها أن يموت الواهب فليس لوارثه أن يرجع فيه؛ لأن التمليك بعقد الهبة لم يكن منه فلا يخلف مورثه فيما لم يكن على ملكه عند موته ومنها أن يموت الموهوب له فإن الملك ينتقل من الموهوب إلى وارثه ولو انتقل الملك في حياته إلى غيره لم يرجع الواهب فيه وكذلك بعد موته.

(قال) (فإن مات أحدهما إما الواهب أو الموهوب له قبل التسليم بطلت الهبة؛ لأن تمام الهبة بالقبض) وكان القبض في الهبة كالقبول في البيع من حيث أن الملك يثبت به فكما أن موت أحدهما بعد الإيجاب قبل القبول يبطل البيع فكذلك الهبة.

(قال) (وإن كان الموهوب حاضراً في المجلس فقبضه الموهوب له بإذن الواهب ملكه، وإن قبضه بغير إذنه في القياس لا يملكه وفي الاستحسان يملكه نص على ذلك في الزيادات). وجه القياس أن العين باقية على ملك الواهب وليس لأحد أن يقبض ملك غيره بغير إذنه فكان متعدياً في القبض لا متملكاً، ولأن إيجاب العقد لا يكون إذناً في القبض كالبيع فإن المشتري لو قبض المبيع بغير إذن البائع قبل نقد الثمن لم يكن هذا قبضاً بإذن وإن كان المبيع حاضراً حتى لا يسقط حق البائع في الحبس بل أولى فإن هناك قد ملكه المشتري بالعقد فإنما يقبض ملك نفسه وهنا الموهوب له لم يملك بالعقد. ووجه الاستحسان أن القبض في الهبة كالقبول في البيع ثم إيجاب البيع يكون إذناً في القبول فكذلك إيجاب الهبة يكون إذناً في القبض؛ لأن مقصود الموجب إتمام تبرعه وذلك يكون بالقبض فكان في القبض تحصيل مقصوده فلهذا جعلناه مسلطاً للموهوب له على ذلك إذا كان الموهوب حاضراً بخلاف البيع، والقبض هناك لإسقاط حقه في الحبس ولم يكن ذلك مقصوده بالبيع وإنما كان مقصوده أن يسلم العوض له فلهذا لا يجعله بإيجاب البيع راضياً بسقوط حقه في الحبس ولو لم يكن الموهوب حاضراً في المجلس فقبضه الموهوب له بعدما افترقا بغير إذن الواهب لا يملكه، وإن قبضه بإذن الواهب فقياس الاستحسان الأول أن لا يملكه أيضاً؛ لأن القبض هنا بمنزلة القبول في البيع والقبول بعد الافتراق لا يوجب الملك بإذن الموجب كان أو بغير إذنه فكذلك القبض هنا.

  وفي الاستحسان يملكه؛ لأن العقد انعقد لوجود الإيجاب والقبول والقبض محتاج إلى ذلك ليتقوى به السبب فيكون موجباً للملك وذلك حاصل بعد الافتراق وإذنه يحتاج في القبض إلى إذن المالك صريحاً أو دلالة، فإذا كان الموهوب غائباً لم يثبت الإذن بقبضه دلالة فلا بد من التصريح بذلك، فإذا قبضه بإذنه ملكه. والأصل فيه ما روي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما نحر هداياه قال: «من شاء أن يقتطع فليقتطع» وانصرف فكان إذناً بالقبض لمجهول يملكه بالقبض فلأن يصح ذلك للمعلوم كان أولى وله أن يرجع قبل أن يقبضه الموهوب له سواء كان حاضراً أو غائباً أذن له في قبضه أو لم يأذن له ومراده التفرد بالرجوع فإن الملك لم يحصل للموهوب له فكان الراجع مستديماً لملكه والمالك ينفرد باستدامة ملكه فأما بعد القبض لا يرجع في الهبة إلا بقضاء أو رضاً بمنزلة الأخذ بالشفعة؛ لأن الراجع يعيد إلى نفسه ملكاً هو لغيره فلا ينفرد به من غير قضاء ولا رضا؛ لأنه إن كان هو يطلب لحقه فالموهوب له يمنع تملكه فكان الفصل بينهما إلى القاضي كما في الأخذ بالشفعة والفرقة بين العنين وامرأته.

(قال) (وإذا أودع الرجل الرجل شيئاً ثم لقيه فوهبه له وليس الشيء بحضرتهما فالهبة جائزة إذا قال الموهوب له قبلت ولا يحتاج فيه إلى قبض جديد) لأن الشيء في يد الموهوب له واليد مستدامة فاستدامتها كإنشائها بعد قبول الهبة وهذا لأن القبض بحكم الهبة ليس بموجب للضمان فيد الأمانة تنوب عنه بخلاف الشراء فإن المودع إذا اشترى الوديعة من المودع وهي ليست بحاضرة لا يصير قابضاً بنفس الشراء فإن القبض بحكم الشراء قبض ضمان وقبض الأمانة دون قبض الضمان والضعيف لا ينوب عن القوى. وكذلك هذا في العارية والإجارة؛ لأن قبض المستعير والمستأجر قبض أمانة كقبض المودع أو أقوى منه.

(قال) (والنحلي والعمري والعطية بمنزلة الهبة فيما ذكرنا) لأن هذه عبارات عن شيء واحد وهو التمليك بطريق الهبة وإنما يعتبر المقصود لا العبارة عنه. ألا ترى أن لفظ الفارسية والعربية فيه سواء والأصل فيه ما روى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجاز العمري وأبطل الشرط يعني شرط العود إليه بعد موت الموهوب له أما الصدقة إذا تمت بالقبض فليس له أن يرجع فيها سواء كانت لقرابته أو لأجنبي؛ لأن المطلوب بالصدقة نيل الثواب وقد حصل ذلك ولا رجوع بعد حصول المقصود بتمامه، ولأن المتصدق يجعل ذلك المال لله تعالى ثم يصرفه إلى الفقير فيكون كفاية له من الله تعالى ولهذا لم يكن للمعطى فيه منة على القابض وإنما له حق الرجوع في ملك ذلك المال المتملك من جهته وقد انعدم ذلك في الصدقة فلهذا لا يرجع فيها ويستوي في الهبة حكم الرجوع إن كان الموهوب له مسلماً أو كافراً؛ لأن المقصود لا يختلف بذلك فإنه إن كان أجنبياً فالمقصود العوض وإن كان قريباً له فالمقصود صلة الرحم وفي هذا المسلم والكافر سواء.

(قال) (وإذا وهب عبداً لأخيه ولأجنبي وقبضاه فله أن يرجع في نصيب الأجنبي اعتباراً للبعض بالكل) وهذا لأن في نصيب الأجنبي مقصوده العوض ولم ينل ذلك.

(قال) (وإن وهب لأخيه هبة وهو عبد فقبضها فله أن يرجع فيها) لأن الملك بالهبة وقع للمولى والعبد ليس من أهل الملك والمولى أجنبي فعرفنا أن مقصوده العوض والمكافأة ولم ينل ذلك ولأنه إنما يخاصم في الرجوع المولى باعتبار أن الملك واليد له فلا يتمكن بينهما قطيعة رحم إذا كان المولى أجنبياً.

(قال) (وإن وهب لعبد أخيه هبة فله أن يرجع فيها في قول أبي حنيفة) وفي قول أبي يوسف ومحمد ـ رحمهما الله تعالى ـ ليس له أن يرجع فيها. وجه قولهما إن الملك بحكم الهبة وقع لذي الرحم المحرم فلا رجوع فيها كما لو كان وهب للمولى وهذا لأنه وإن أضاف العقد إلى العبد فالمقصود المولى وهو قريبه فعرفنا أن مقصوده صلة الرحم. ألا ترى أنه لو أوصى لعبد وارثه أو لعبد قاتله كان ذلك كالوصية لمولاه حتى لا يصح، ولأنه في الرجوع يخاصم المالك وهو قريب له وفي مخاصمته في الرجوع فيها قطيعة الرحم. وأبو حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ يقول: الصلة ما تمت لذي الرحم المحرم عقداً وملكاً فيكون له أن يرجع فيها كما لو كان وهب لأخيه وهو عبد لغيره وهذا لأن الرجوع باعتبار العقد والملك حتى إذا كان العقد معاوضة فليس فيه حق الرجوع وبعد زوال الملك لا رجوع والعقد هنا للعبد. ألا ترى أن القبول والرد يعتبر منه دون المولى وأن المعتبر منه دين العبد حتى إذا كان الموهوب خمراً صحت الهبة إذا كان العبد كافراً، وإن كان مولاه مسلماً. والملك بحكم الهبة يقع للعبد على أحد الطريقين؛ لأن الحكم إنما يثبت لمن باشر سببه ولهذا يقدم فيه حاجة العبد حتى يقضي منه ديونه ثم ينتقل إلى المولى عند استغناء العبد عنه؛ لأنه مالك لرقبته فيخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث. وعلى الطريق الآخر الملك يقع للمولى ولكن بطريق الخلافة عن العبد؛ لأنه ليس بأهل للملك فيخلف القاتل في ذلك مولاه وهو نظير الطريقين في الوكيل بالشراء.

  إذا ثبت هذا فنقول لما وقع العقد للعبد وهو أجنبي فلا ينفك هذا العقد عن مقصود العوض فيثبت حق الرجوع فيه إذا لم يعوض.

(فإن قيل): فإذا وقع الملك للعبد ثم انتقل منه إلى المولى ينبغي أن لا يثبت حق الرجوع فيه.

(قلنا): هذا أن لو كان الثابت له ملكاً مستقراً وهو ليس من أهل ذلك وعند العقد هذا الانتقال كان معلوماً فلا يكون مانعاً من الرجوع.

(فإن قيل): كيف يقصد بالهبة من العبد العوض وهو ليس من أهل العوض فينبغي أن لا يثبت الرجوع في الهبة من العبد أصلاً لعلمنا أنه لم يقصد العوض به كما لا يرجع في الهبة من الفقير.

)قلنا): العبد من أهل أن يعوض بمنافعه وخدمته ومن أهل أن يعوض بكسبه عند إذن المولى فكان المقصود بالهبة منه ما هو المقصود بالهبة من الحر وهو العوض وهذا بخلاف الوصية فالبطلان هناك لإيثار بعض الورثة وذلك بالملك لا بالعقد فاعتبرنا من يقع له الملك وهنا الرجوع لفوات المقصود بالعقد فإن العوض مقصود بعقد التبرع أيضاً فإنما ينظر إلى من وقع العقد أو الملك له فأيهما كان أجنبياً ثبت حق الرجوع له؛ لأنه لم ينفك عن قصد العوض.

  فإن كان المولى والعبد كل واحد منهما ذا رحم محرم منه بان كان أخوه لأبيه عبداً لأخيه لأمه فقد ذكر الكرخي عن محمد ـ رحمه الله تعالى ـ أن في قياس قول أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ أن لا يرجع فيه أيضاً؛ لأنه لا معتبر بقرابة العبد في المنع من الرجوع بدليل الفصل الأول فكان هذا وما لو كان العبد أجنبياً سواء وكان أبو جعفر الهندواني ـ رحمه الله تعالى ـ يقول: لا يرجع هنا وهو الصحيح عندنا لأنا علمنا أنه لم يقصد العوض بهذا العقد فإن تخصيصه هذا العبد من بين عبيد مولاه دليل على أنه قصد صلة الرحم دون العوض وكذلك تخصيصه عند هذا المولى دليل على أنه قصد صلة رحم مولاه فسواء اعتبرنا العقد أو الملك أو اعتبرناهما فالمقصود صلة الرحم دون العوض.

(قال) (حربي دخل علينا بأمان وله عندناأخ مسلم فوهب أحدهما لصاحبه شيئاً وسلمه فلا رجوع له فيه) لأن المقصود لا يختلف بكون أحدهما مسلماً أو مستأمناً؛ ولأن الرحم مع المحرمية مانع من الرجوع في الهبة كما أنه موجب العتق عند دخوله في ملكه ويستوي في ذلك المستأمن والذمي والمسلم فكذلك في حق الرجوع فإن لم يقبض الموهوب له حتى رجع الحربي إلى دار الحرب بطلت الهبة؛ لأن رجوعه إلى دار الحرب حربياً كموته فإن من في دار الحرب في حق من هو في دار الإسلام كالميت وموت الموهوب له قبل القبض يبطل الهبة وكذلك إن كان الحربي هو الواهب فقد بطلت الهبة وبقي المال على ملكه فيوقف حتى يحضر هو أو نائبه فيأخذ ولا يبعث به إلى دار الحرب بمنزلة مال خلفه في دارنا وهذا لبقاء حكم الأمان في المال الذي خلفه هنا.

  فإن كان الحربي أذن للمسلم في قبضه وقبضه بعد رجوعه إلى دار الحرب جاز استحساناً. وفي القياس لا يجوز؛ لأنه لما صار بمنزلة الميت بطلت الهبة ولا يبقى حكم إذنه في القبض كما لو مات حقيقة بعد الإذن في القبض وهذا لأنه أذن له في قبض متمم للهبة وذلك لا يكون إلا مع بقائه حياً حقيقة وحكماً. ووجه الاستحسان أن إذنه في القبض باقٍ بعد لحقاقه؛ لأن ابتداء إذنه في قبض هذا المال بعد لحاقه معتبر، فإنه لو أرسل هذا الرجل ليأخذ ماله يجب تسليمه إليه فلأن يبقى إذنه كان أولى، وإذا بقى إذنه يجعل في الحكم كأنه سلمه إليه بنفسه. وحقيقة الفرق بين هذا والموت الحقيقي أن هناك المال صار حقاً لوارثه وليس له إذن معتبر في ملك الغير وهذا المال بقى موقوفاً على حقه فكان إذنه فيه معتبراً فلهذا يملك بالقبض بإذنه استحساناً.

(قال) (رجل وهب لامرأة هبة ثم تزوجها فله أن يرجع فيها) لأنها لمّا كانت أجنبية منه حين وهب لها علمنا أن مقصوده العوض ولم ينل ذلك. (فإن قيل) بل كان مقصوده أن تزوج نفسها منه وقد فعلت فينبغي أن لا يرجع في الهبة. (قلنا) هذا ليس بمقصود شرعي فيما شرعت الهبة له فلا معتبر به وبالنكاح وإن حصل له الملك فقد وجب عليه البدل فلا يعتبر ذلك في المنع من الرجوع في الهبة.

(قال) (وإن وهب لامرأته هبة ثم أبانها فليس له أن يرجع فيها) لأن الهبة لما كانت في حال قيام الزوجية بينهما عرفنا أنه لم يكن مقصوده العوض فلهذا لا يرجع فيها.

(قال) (رجل وهب لابنه الكبير عبداً وهو في عياله ولم يسلمه إليه أو وهب لزوجته لم تجز الهبة إلاّ على قول ابن أبي ليلى) فإنه يقول من في عياله تحت يده فيقوم قبضه لهم مقام قبضهم كما لو وهب لولده الصغير والدليل عليه أن الصغير إذا كان في عيال أجنبي فوهب هو له أو غيره هبة وقبضه من يعوله تمت الهبة ولا نسب بينهما سوى أنه يعوله. ولكنا نقول لا ولاية له على ولده البالغ ولا على زوجته فيما وراء حقوق النكاح، وقبض الهبة ليس من حقوق النكاح في شيء وكان هو والأجنبي في ذلك سواء ولأنه متبرع بالإنفاق على ولده البالغ فهو كالغني إذا تبرع بالإنفاق على بعض المساكين ويعولهم فلا ينوب قبضه عن قبضهم في إتمام الصدقة والهبة بخلاف الأب في حق ولده الصغير فإنه وليه وهكذا نقول فيمن يعول يتيماً إنما يعتبر قبضه له إذا لم يكن لليتيم ولي يقبض له وهنا الموهوب له ولى نفسه فلا حاجة إلى قبض من يعوله في حقه كما إذا كان الصغير في عيال أجنبي وله أب أو جد فإنه لا يعتبر قبض من يعوله في إتمام الهبة له.

(قال) (وكل شيء وهبه لابنه الصغير واشهد عليه وذلك الشيء معلوم فهو جائز) والقبض فيه بإعلام ما وهبه له والإشهاد عليه والإشهاد له ليس بشرط بل الهبة تتم بالإعلام إلاّ أنه ذكر الإشهاد احتياطاً للتحرز عن جحود سائر الورثة بعد موته أو عن جحوده بعد إدراك الولد أما إذا اتفقوا على ذلك فالهبة تامة بدون الإشهاد. وكذلك إن كان هذا الولد في عيال أمه لأن لها عليه نوع ولاية. ألا ترى أنها تحفظه وتحفظ ماله وهذا القدر من الولاية يكفي لقبض الهبة. والصدقة في هذا قياس الهبة؛ لأن تمام كل واحد منهما بالقبض.
(قال) (وإن كان اليتيم في عيال أمه فوهبت له عبداً واشهدت عليه وأبوه ميت ولا وصي له جازت الهبة وقبض الأم بمنزلة الأب لو كان حياً) لأن في القبض معنى الإحراز كالحفظ وللأم ولاية حفظ مال اليتيم فكانت في قبض الهبة كالأب.

(قال) (وكذلك إن كان اليتيم في عيال عمه فقبضه العم له وإن كان له أخ أو أم فقبض العم له قبض أيضاً) لأنه يستوي بالأخ في ثبوت ولاية الحفظ له في ماله فكان ذلك محض منفعة له وبسبب قرابته القريبة يثبت هذا القدر من الولاية كقرابة العم لقرابة الأخ ثم تأيدت قرابة العم بكون اليتيم في عياله فتتم الهبة له بقبضه.

  قال وكذلك إن كان له وصي فوهب له هبة وهو في عياله وأشهد على ذلك وأعلمه جاز وقبل مراده وصي الأم أو الأخ فأما وصي الأب والجد فله أن يقبض ما يوهب له سواء كان في عياله أو لم يكن؛ لأنه قائم مقام الوصي في الولاية في ماله مطلقاً سواء كان هو الواهب له أو غيره.

(قال) (فإن كان رجل أجنبي يعول يتيماً وليس بوصي له ولا بينهما قرابة وليس لهذا الوصي أحد سواه جاز له أن يقبض ما يوهب له استحساناً) وفي القياس لا يجوز؛ لأنه لا ولاية له عليه وهو متبرع في تربيته والإنفاق عليه فكان كسائر الأجانب فيما ينبني على الولاية ولكنه استحسن فقال فيما يتمحض منفعة لليتيم فمن يعوله خلف عن وليه. ألا ترى أنه أحق بحفظه وتربيته لو أراد أجنبي أن ينتزعه من يده لم يكن له ذلك وأن يسلمه في تعليم الأعمال فيكون في ذلك بمنزلة وليه والخلف يعمل عمل الأصل عند عدم الأصل. وإنما أثبتنا هذه الخلافة توفيراً للمنفعة على الصغير؛ لأنه يقرب إلى المنافع ويبعد عن المضار وفي قبض الهبة محض منفعة له فإذا ثبت أن له أن يقبض هبة الغير له فكذلك إذا كان هو الواهب فاعلمها وأبانها فهو جائز وقبضه له قبض ويستوي إن كان الصبي يعقل أو لا يعقل. وفيه نوع إشكال؛ لأنه إذا كان يعقل فهو من أهل أن يقبض بنفسه فلا حاجة إلى اعتبار الخلف هاهنا.

  ولكن الجواب أن يقول يقبض لا باعتبار الولاية على نفسه فالصغير تبقى ولايته عن نفسه ولكن لتوفير المنفعة عليه وفي اعتبار قبض من يعوله مع ذلك معنى توفير المنفعة أظهر؛ لأنه ينفتح عليه بإبان لتحصيل هذه المنفعة بخلاف الولد الكبير؛ لأنه يقبض هناك بولايته على نفسه وولاية الغير خلف فلا يظهر عند ظهور الأصل.

(قال) (وكل يتيم في حجر أخ أو ابن أخ أو عم يعوله فوهب له رجلٌ هبةً فإنما يقبضها الذي يعوله إذا كان هو صغيراً لا يحسن القبض) وكذلك إن كان عاقلاً يحسن القبض فقبض له من يعوله جاز لما بينا.
  وإن قبض الصغير بنفسه ففي القياس لا يجوز قبضه وهو قول الشافعي؛ لأنه لا معتبر بقبضه قبل البلوغ خصوصاً فيما يمكن تحصيله له بغيره فإن اعتبار عقله للضرورة وذلك فيما لا يمكن تحصيله له بغيره فأما فيما يمكن تحصيله له بغيره فلا تتحقق الضرورة ولهذا لم يعتبر الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ عقله في صحة إسلامه واعتبره في وصيته واختياره أحد الأبوين؛ لأن ذلك لا يمكن تحصيله له بغيره. وجه الاستحسان أنه إنما لا يعتبر عقله لدفع الضرر عنه فالظاهر أنه لا يتم نظره في عواقب الأمور بما له من العقل الناقص قبل بلوغه وهذا فيما يتردد بين المضرة والمنفعة، فأما فيما يتمحض منفعته لا يتحقق هذا المعنى وقد بينا أن في اعتبار عقله توفير المنفعة عليه، وإذا كان فيما لا يمكن تحصيله له بغيره إذا كان محض منفعة يعتبر عقله لتوفير المنفعة عليه بطريقتين.

  ثم العادة الظاهرة بين الناس التصدق على الصبيان من غير نكير منكر وتعامل الناس من غير نكير منكر أصل من الأصول كبير، ولأن حقيقة القبض توجد منه وهو محبوس فإنما يسقط اعتباره في حق حكمه لحجر شرعي ولا حجر عليه فيما يتمحض منفعته له.

(قال) (والصبية التي دخل بها زوجها فإن زوجها يقبض الهبة لها لأنه يعولها).

(فإن قيل): الولاية عليها للأب دون الزوج.

(قلنا): نعم ولكن الأب أقام الزوج مقام نفسه في حفظها وحفظ مالها إذا زفها إلى بيت الزوج وقبض الهبة من باب الحفظ فيقوم الزوج فيه مقام الأب ولكن لهذا لا تنعدم ولاية الأب، فإذا قبضها الأب صح قبضة لقيام ولايته، وإن قبضت بنفسها جاز؛ لأنها تعقل القبض، وإن قبض الزوج جاز لما بينا ولا يكون الزوج في هذا بمنزلة ما لو سلم الأب ولده الصغير إلى من يعوله؛ لأن ذلك لا يثبت به الاستحقاق فعرفنا أنه لا يقوم فيه مقام الأب والزوج فحكم النكاح يثبت له عليها استحقاق اليد حتى يصير أولى بها من أبيها.

  وإن كانت لم تزف إلى زوجها لم يعتبر قبض الزوج لها؛ لأن اعتبار ذلك بحكم أنه يعولها وإنّ له عليها يداً مستحقة وذلك لا يوجد قبل الزفاف، وإن أدركت لم يجز قبض الزوج لها؛ لأن اعتبار ذلك بحكم أنه يعولها؛ لأنها صارت ولية نفسها حين بلغت عاقلة.


(قال) (ولا يجوز قبض الأخ والجد على الصغير إذا كان الأب حياً حاضراً) لأن من هو الأصل في هذه الولاية حاضر فلا حاجة إلى اعتبار من هو خلف في ذلك، فإن كان الأب غائباً غيبة منقطعة فقد خرج الصغير من أن يكون منتفعاً برأي الأب فيصير هو كالمعدوم فتكون ولاية القبض للأخ إذا كان الصغير في عياله وهذا نظير ولاية التزويج ونظير حق الحضانة والإنفاق من المال فإنه لا يعتبر مال الجد ما دام الصغير منتفعاً بمال الأب فإذا انعدم ذلك بغيبة ماله جعل في حكم المعدوم أصلاً.

  ألا ترى أن التيمم لما جعل خلفاً عن الماء في حكم الطهارة فحال عدم الماء وحال نجاسة الماء الموجود في ذلك سواء؛ لأن ما هو المقصود وهو الطهارة لا يحصل بالماء النجس، فإن كان الأب دفعه إلى غير الأخ وغاب غيبة منقطعة فكان في حجر الرجل وعياله جاز له قبض الهبة ولو قبض الأخ لم يجز قبضه؛ لأن الأب أقامه مقام نفسه في النظر له فكان هو منتفعاً برأيه قائماً مقامه ولو كان منتفعاً برأيه بأن كان حاضراً لم يجز قبض الأخ فهذا مثله، وهذا لما بينا أن مجرد قرابة الأخ لا تثبت له الولاية بدون اليد.

  وإذا كان في عيال من اختاره الأب فليس للأخ عليه يد موجودة ولا مستحقة حتى أنه ليس له أن يسترده ممن يعوله فكان كالأجنبي ولمن يعوله يد مستحقة ما لم يحضر الأب فهو الذي يقبض الهبة له والله أعلم بالصواب. 

  إشترك في القائمة البريدية

  إبحث في الموقع

  • أخبار قانونية

  • عقود

  • جرائم محلية

  • قواعد فقهية